وقت وجوب زكاة الفطر

زكاة الفطر من أعظم الشعائر التي فرضها الله تعالى على المسلمين، وهي عبادة عظيمة تربط بين الفرد ومجتمعه، وتعبّر عن التكافل الاجتماعي وروح الإخاء في رمضان. ومع قرب انتهاء شهر رمضان، يتساءل كثير من المسلمين عن وقت وجوب زكاة الفطر، وهذا المقال يستعرض بالتفصيل زمان وجوب زكاة الفطر، مع توضيح الحكم الشرعي المرتبط بها، ومكانتها في الإسلام، وأثرها في المجتمع.

مفهوم زكاة الفطر وأهميتها

زكاة الفطر هي صدقة واجبة على كل مسلم يمتلك قوت يومه وليله، فرضها النبي محمد صلى الله عليه وسلم لتكون تطهيرًا للصائم من اللغو والرفث، وتنقية للنفس، ومساعدة للفقراء والمحتاجين على الاحتفال بعيد الفطر. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صيامُ رَمضانَ، إلى صيامِ رَمضانَ، كفارةٌ لما بينَهُما، وزكاةُ الفطرِ» (رواه أبو داود).

تمثل زكاة الفطر ركيزة اجتماعية واقتصادية مهمة، فهي تعزز مبدأ التكافل بين الأغنياء والفقراء، وتوفر للمحتاجين ما يسدّ حاجتهم في يوم العيد، مما يحقق توازنًا اجتماعيًا ويقضي على مظاهر الفقر والجوع.

وقت وجوب زكاة الفطر في الشريعة الإسلامية

وقت وجوب الزكاة عند جمهور العلماء

اتفق العلماء على أن وقت وجوب زكاة الفطر هو قبل خروج وقت صلاة عيد الفطر، أي قبل صلاة العيد في يوم العيد نفسه. وهذا هو الوقت المحدد لإخراج الزكاة حتى تصح، ولا تصح إذا أُخرجت بعد صلاة العيد.

أما عن بداية وقت الوجوب، فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن وجوب الزكاة يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان، أي بعد غروب شمس آخر يوم من شهر الصيام، فمن أخرها حتى قبل صلاة العيد أخرجها فهي صحيحة.

ويُبيّن الجدول التالي أوقات وجوب زكاة الفطر باختصار:

أدلة من السنة على وقت وجوب زكاة الفطر

النبي محمد صلى الله عليه وسلم أخرج زكاة الفطر قبل صلاة العيد بيوم أو يومين، فقد روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج زكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة (رواه أبو داود والترمذي). وهذا يدل على أن زكاة الفطر يجب إخراجها قبل صلاة العيد، وذلك لكي تتيسر عملية جمعها وتوزيعها على المستحقين قبل عيد الفطر.

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: “يجب إخراجها قبل صلاة العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها قبل الخروج إلى الصلاة”.

الحكمة من تحديد وقت وجوب زكاة الفطر

إن تحديد وقت وجوب الزكاة بهذا الشكل يحقق عدة أهداف مهمة في الشريعة الإسلامية:

• تحقيق التكافل الاجتماعي: بإخراجها قبل صلاة العيد، تتوفر الأموال أو المواد الغذائية للمحتاجين قبل بدء عيد الفطر ليتمكنوا من المشاركة في الفرحة دون ضيق أو حاجة.

• تطهير الصائم: زكاة الفطر تخرج كتبرئة للطعام والشراب والكلام خلال الصيام، وهذا التوقيت يحقق طهارة الصائم قبل الخروج للاحتفال بالعيد.

• سهولة التنظيم: الوقت المحدد يسهل على الجهات التي تجمع الزكاة وتنظم توزيعها تحديد مدة زمنية مناسبة لتجهيز المساعدات وإيصالها للمحتاجين.

مَن يجب عليه إخراج زكاة الفطر؟

تجب زكاة الفطر على كل مسلم يمتلك قوت يومه وليله، سواء كان بالغًا أو صغيرًا، ذكرًا أو أنثى، كبيرًا أو صغيرًا، ذكرًا أو أنثى، من حر أو عبد، فإذا ملك الشخص ما يكفيه ويكفي من يعولهم من قوت يومه وليله، وجب عليه إخراج زكاة الفطر عنه وعن من يعول.

يُراعى في هذا الحكم أن المعيار هو القدرة على الإنفاق، فإذا كان لدى الشخص ما يكفيه من قوت يومه وليله زائد عن حاجته، كان من الواجب عليه إخراجها.

في حالة الأسرة، يجب على رب الأسرة أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه وعن جميع من يعولهم، إلا إذا كان المعول عليهم قادرين على إخراجها بأنفسهم.

مقدار زكاة الفطر وطرق إخراجها

مقدار زكاة الفطر ثابتٌ شرعًا، وهي صاع من غالب قوت البلد، أي ما يعادل حوالي 2.5 إلى 3 كيلوغرامات من الطعام الأساسي مثل القمح، الشعير، التمر، الزبيب، أو الأرز، وذلك بحسب اختلاف المناطق والبلدان.

وقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم إخراجها نقدًا بدل الطعام، إذا كان ذلك يسهل الأمر على المعطي والمستقبل، خاصة مع تطور الزمن وازدياد تسهيل الصرف النقدي، لكن يجب أن يكون المبلغ يعادل قيمة الصاع من الطعام.

يمثل الجدول التالي توضيحًا للمقدار التقريبي للزكاة حسب نوع المادة:

أثر زكاة الفطر في المجتمع وأهميتها الاقتصادية والاجتماعية

تلعب زكاة الفطر دورًا أساسيًا في تحقيق العدالة الاجتماعية والتوازن الاقتصادي، فهي تعمل على:

• مساعدة الفقراء والمحتاجين: تُسهم في توفير الموارد الأساسية للمستحقين، وتمكنهم من قضاء عيد الفطر بكرامة وراحة.

• الحد من الفقر والجوع: من خلال توزيعها المنتظم قبل العيد، تعين الأسر التي تعاني من نقص في الموارد على تلبية حاجاتها المؤقتة.

• تعزيز روح المحبة والتكافل: زكاة الفطر تعبر عن تضامن المجتمع المسلم ومساعدة الضعفاء، مما يقوي الروابط الاجتماعية ويعمق شعور الوحدة والأخوة.

• تطهير النفس وزكاة المال: بخروج زكاة الفطر، يتم تطهير النفس من الأنانية والبخل، ويزكى المال ويبارك فيه.

• دعم الاقتصاد المحلي: من خلال استخدام الموارد المحلية سواء في نوع الطعام أو المبالغ النقدية، تعمل الزكاة على تدوير الأموال داخل المجتمع، مما ينعش الحركة الاقتصادية.

الخلاصة

زكاة الفطر عبادة عظيمة فرضها الله تعالى، وجب إخراجها في وقت محدد يبدأ من غروب شمس آخر يوم من شهر رمضان، وينتهي قبل صلاة عيد الفطر، وهي تطهير للصائم ووقاية للفقراء. الالتزام بهذا التوقيت يساعد على تحقيق التكافل الاجتماعي، وتوفير العيد بفرح للمحتاجين، ويعزز القيم الإسلامية النبيلة. ويجب أن تكون الزكاة عن النفس ومن يعول الإنسان، بمقدار صاع من طعام البلد، مع إمكانية إخراجها نقدًا مساويًا.

زكاة الفطر ليست مجرد فريضة مالية، بل هي منظومة اجتماعية متكاملة تؤدي دورًا كبيرًا في بناء مجتمع متماسك متعاضد، يفيض بالمحبة والرحمة، ويجعل عيد الفطر مناسبة لا تُنسى لكل مسلم.

المصادر

• صحيح ابن ماجه، كتاب الصيام، باب وجوب زكاة الفطر.

• شرح النووي على صحيح مسلم، تحقيق محمود شاكر.